بات من الواضح أنّ الأمن في لبنان
أصبح من يوميّات الأجندة السياسية، نظراً إلى المرحلة الأمنية الحسّاسة
التي يتخبّط فيها لبنان بين يوم وآخر.
وبات من الواضح أيضاً أنّ
هناك محاولة لإدخال الجيش اللبناني طرفاً في النزاعات السياسية القائمة عبر
إيجاد عدوّ جديد له بين جولة وأخرى من الاضطرابات الأمنية. فهو تارة يجد
نفسه وجهاً لوجه مع التيّارات السلفية في طرابلس وعكّار، ومرّة مع
المخيّمات الفلسطينية في الشمال والجنوب. لكن، في كلّ مرّة، يُقتطع جزء من
هيبة الجيش بالاعتداء على عسكرييه وحواجزه وانتقاد انضبّاطه، ويُحمل على
التراجع تحت وطأة التهويل بفتنة، ويُمنع من استخدام القوّة في جَبه
المتسبّبين بالاضطرابات لكي لا يفلت الزمام من يده وتدخل البلاد في
المجهول.
وفي هذا الإطار، تفيد مصادر عسكريّة رفيعة بأنّ "المجموعات
السلفية والتكفيرية استغلّت الهشاشة الأمنية التي يعيشها البلد ونجحت في
"التسلّل" إلى داخل المخيّمات حيث أقامت رؤوساً وجسوراً وبؤراً قابلة
للتوسّع والتمدّد والفعل حين تدعو الحاجة إلى ذلك".
وتقول المصادر:
"من الملاحظ أنّ التطوّرات الأخيرة في محيط مخيّمي نهر البارد في الشمال
وعين الحلوة في الجنوب، كانت هذه المرّة مختلفة بدرجة كبيرة، وتنطوي على
جملة مخاطر واحتمالات ومخاوف، ما أوحى للكثيرين بأنّ القضية قد تكون أكبر
من أن يطفئها لقاء هنا واجتماع هناك وبيان من هنالك. إلى درجة أنّه بعد
معاينة قيادة الجيش لما حصل، تبيّن وكأنّ هناك ثورة داخل المخيّمات
الفلسطينية في وجه السلطات الأمنية اللبنانية، والسبب يعود إلى الإجراءات
والتدابير المشدّدة التي يتّخذها الجيش اللبناني حول المخيّمات، ولا سيما
منها ذات الكثافة السكّانية العالية.
ولكن الإجراءات التي يتّخذها
الجيش غير مبالغ فيها وهو لم يعزّزها، ولم يُدخل تعديلات أساسية عليها، وهو
يتوخّى باستمرار منذ مطلع التسعينات في مخيّم عين الحلوة، وبعد عام 2007
في مخيّم نهر البارد، التشدّد في منع خروج مسلّحين من المخيّمَين أو فرار
مطلوبين إليهما أو منهما، وكذلك نقل أسلحة وملاحقة خلايا إرهابية مقيمة
فيهما".
وتلاحظ المصادر أنّ إثر حوادث طرابلس وعكّار، وانتقال
ارتداداتها إلى الطريق الدولية شمالاً وجنوباً، وإلى البقاع، "بدا أنّ هناك
مَن يسعى إلى توسيع نطاق الصدام مع الجيش وإدخاله طرفاً في النزاع
اللبناني- اللبناني، وما يدعو إلى القلق هو أن جهات فلسطينية، وخلال حوادث
نهر البارد وعين الحلوة، بدت جاهزة لمهاجمة مواقع الجيش وحواجزه، ما يعني
أنّ قراراً ما اتّخذ باستهداف الجيش، أقلّه منذ حادث مقتل الفلسطيني أحمد
قاسم في مخيّم البارد منذ أسبوعين، وبالتالي فإنّ نقل الاضطراب إلى عين
الحلوة يهدف إلى ممارسة المزيد من الضغط على الجيش والسلطة اللبنانية، ممّا
يصبّ حتماً في خانة زعزعة الأمن والاستقرار في لبنان".
وتؤكّد
المصادر لصحيفة "الجمهورية" أنّ "المؤسّسة العسكرية لن تسمح بجعل الجيش
اللبناني مكسر عصا لأحد، ولن تسمح لأيّ طرف أو جهة باستغلال المرحلة
الأمنية التي يعيشها لبنان، والسماح بزعزعة الأمن والاستقرار، لأنّ أمن
اللبنانيين بالنسبة إليها أكثر من خط أحمر".
وتكشف المصادر أنّ
"جهات سياسية لبنانية تعمل على تحريض الفلسطينيين على الجيش استناداً الى
مناخ التوتر المستمرّ بين هذه الجهات والجيش منذ مقتل الشيخ أحمد عبد
الواحد في عكّار، إضافةً الى أنّ هناك منظّمات فلسطينية موالية للنظام
السوري تريد جعل المخيّمات الفلسطينية ورقة ضغط في يد النظام السوري، وعلى
هذا الأساس تسعى إلى افتعال الحوادث والتحريض على الجيش والقوى الأمنية،
مستندة الى زيارة زعيم "الجبهة الشعبية - القيادة العامة" أحمد جبريل
لبيروت قبل فترة، والتي أعقبها استقبال الرئيس السوري بشّار الأسد له في
دمشق، بعدما كان استقبله الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في طهران".