شكّ أنّ الحالة الأسيرية
والكاريزما اللافتة التي جسّدها الشيخ أحمد الأسير في خطبه وإطلالاته
الإعلامية أحدثت فضولاً وترقّباً لدى مختلف القوى السياسية من معارضة
وموالاة.
غير أنّ إمام مسجد "بلال بن رباح" لم يتمكّن من الحفاظ
مطوّلاً على تماسكه الذي ميّزه عن سائر خطباء المساجد، ولم يعد قادراً على
البقاء أسير انضباطه وحنكته السياسيتين، بعدما "أثقله الظلم والوجع"، على
حدّ قوله لـ"الجمهورية"، فانفجر الغضب الأسيري الذي لم يكتفِ هذه المرّة
بالتهديد والوعيد لـ"حزب المقاومة" فقط، بل تجاوزت سهامه لتصيب رموز الدولة
بما فيها الرئيس نبيه برّي، وذلك على خلفية الانتهاكات التي مورست بحق
أنصاره.
غير أنّ الأسير كشف لـ"الجمهورية" أنّ حال الغضب التي
تعتريه مرشّحة للاستمرار، "حتى عودة التوازن السياسي إلى لبنان بعدما طفح
الكيل من تجاوزات وتعدّيات "حزب المقاومة" على الطائفة السنّية عموماً وعلى
مناصريه خصوصاً ولا سيّما رجال الدين منهم".
وعمّا إذا كان لخطابه
التصعيدي الأخير ترجمة عملية على الأرض، رفض الأسير الكشف عن الأسلوب الذي
ينوي اعتماده، "ولكن الاعتصامات والتظاهرات السلمية ستكون حتماً من أبرز
بنود خطة العمل"، مشيراً إلى أنّه "وأخوانه في صدد وضع دراسة نوعية لتحرّك
ممكن أن يكون قريباً جداً".
أمّا اللافت فكان نبرة الأسير الجديدة
حين أكّد بشكل حازم أنّ الكلام الذي أدلى به من على "شاشة الجديد" لن "يكون
مجرّد كلام وفقاقيع في الهواء، إنّما سيشكّل منطلقاً لاستراتيجية سلمية
بغية إعادة التوازن إلى لبنان"، متعهّداً تحقيق هذا الهدف مهما طال الزمن
أو قصر.
وكيف سيسترجع حقوق السنّة في ظلّ رفضه إنشاء حزب سياسي أو
تولّي منصب سياسي، أجاب الأسير: "كلّ الأحزاب والتيارات المعارضة لـ"حزب
المقاومة" لم تتمكّن من إعادة الاعتبار إلى مدينة بيروت وأهلها نتيجة ما
ألمّ بها من مذلّة في السابع من أيّار. أمّا نحن، فقد نزلنا مرّة واحدة فقط
إلى وسط بيروت، ولاحظ الجميع كيف نجحنا في إعادة الثقة لأهل العاصمة، ومن
دون أن نكون نوّاباً أو حزبيّين".
وهل يتخوّف من انعكاس خطابه
التصعيدي سلباً على أنصاره أو على الطائفة السنّية عموماً، سأل الأسير: "شو
بدو يصير بعد أكتر من يللي صار؟! قُتل الشيخ في وضح النهار، وهو إمام مسجد
حافظ القرآن، وقد أهين أمام أعين جماعته، وداسوا على رقاب مشايخ لنا،
وأهانوا كراماتهم، وهم يسبّون الصحابة ويهدّدوننا كلّ يوم، وبالتالي ماذا
سيفعلون بعد أكثر؟ وهل هناك أكثر؟ هل علينا العيش من دون كرامة الى
الأبد؟!"
وأوضح الأسير أنّ كلامه "نابع من ألم ومعاناة ووجع"، مؤكّداً أنّه "لا يخشى الموت، وأيّ اعتداء على أنصاره يعني اعتداء عليه".
وشدّد
على أنّ "أنصاره منضبطون الى أبعد الحدود، على رغم إلقاء القبض على عشرين
عنصراً من أتباعه الذين بعدما عُذّبوا وضُرِبوا وسُجِنوا لم يجدوا رصاصة
واحدة معهم".
وعزا الأسير استخدام أنصاره السلاح الفردي إلى
"الاستخفاف الطويل الأمد بالطائفة السنّية التي وجدت نفسها مضطرّة للدفاع
عن نفسها في باب التبانة لصدّ الاعتداءات عليها من جبل محسن، أو في في
عكّار بعد مقتل الشيخين عبد الواحد ومرافقه"، مؤكّداً أنّ "هناك جوّاً
عامّاً في لبنان يحتقر ويقلل من أهمية الطائفة السنّية، ومن الطبيعي ان
يكون هناك حالات تنفيسية لبعض الشبّان الذين يملكون أسوة بغيرهم من
المواطنين سلاحاً فرديّاً في منازلهم".
وإذ تبرّأ الأسير من أيّ "حال فوضى إذا حصلت"، أعلن أنّه "لن يقبل الإهانة خوفاً من الفوضى، لأنّ كرامتنا وديننا وعرضنا على المحك".
وكشف
الأسير أنّ خطة عمله "ستتضمن نشر الوعي والثقافة والمحبة عبر تنقّلات
سلمية سيجريها حين يدعى إلى أيّ منطقة لنصرة المظلوم"، لافتاً إلى أنّ "هذا
الجوّ يخلق وعياً لدى المواطن الذي عندما يرى بوعي، يعلم طريقة الاختيار".
ويبقى
السؤال عمّا إذا كان ظهور المارد الأسيري من على شاشة موالية لرموز الدولة
ليهاجم ويتحدّى ويتوعّد "حزب المقاومة" الذي لطالما أيّدته وتغنّت هذه
المحطة ببطولاته، يندرج في صميم الخطة الأسيرية الجديدة؟!