لفت رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع في كلمة القاها في الذكرى السنوية "لشهداء المقاومة اللبنانية" تحت شعار "معنا شهادتهم من قدر الى قضاء – محكمة لبنان... آن الآوان" الى ان "المسيحيين في هذا الشرق هم بالفعل دائماً حيث لا ولم ولن يجرؤ الآخرون"، مؤكداً أننا "لا نخاف أحداً، لن نخاف من أحد، لا نريد ضمانات من أحد"، مشددا على "عدم قبول الابتزازاً، والتهويل، والتهديد". وشدد على ان " الوجود المسيحي في لبنان والشرق ليس وجوداً عددياً، مادياً، ولا هو تكملة عدد، أو رافعة شعبيّة لأحد، إنّه قبل كلّ شيء، وجودٌ ذو أبعاد روحيّة ، قيميّة، إنسانيّة سامية، يحمل في جوهره رسالة تفاعل، ومشاركة حقيقيّة، في الحياة الوطنية، والثقافية، والسياسية، والاجتماعية لشعوب المنطقة كلّها، إنّه وجودٌ سابقٌ للأنظمة الحالية بقرون عديدة، وجودٌ توالت عليه دولٌ وإمبراطوريات عاتية، أين منها بعض تلك الأنظمة الحالية الجائرة"، مضيفا أنه "ومع كلّ ذلك، لم يتحوّل المسيحيون يوماً أسرى عقدة العدد، فاستمرّ وجودهم في الشرق وتألّق، ونجح في لبنان، بإنشاء واحة خضراء للحريّة، في أوج سطوة الإمبراطوريّات"، مؤكداً ان "جنّة الذمّية لا نرضى بها وجهنّم الحريّة أفضل منزل". واعتبر ان "من يقتل إخوةً لنا في الوطن، أو في المنطقة، أو في العالم، من دون رحمة أو شفقة، ليس الطرف الصالح لا لصداقة، ولا لتحالف يدعو البعض إليه، ويسمّيه تحالف الأقليّات، ما هو بالفعل، إلاّ تحالف أقليّات السلطة والمال والمصالح النفعيّة، لأي طائفة أو قوميّة أو فئة انتمت، بمواجهة أكثريّة مسحوقة ،لأي طائفة أو قوميّة أو فئة انتمت"، مشيرا الى أن "إثارة المسألة بهذا الشكل، هي في حقيقتها، تقزيمٌ لدور المسيحيين التاريخي، ونقلهم من مدافعين عن المبادىء الإنسانية السامية، إلى مجرّد أكياس رمل لحماية أنظمةٍ غاشمة متخلّفة، لا قيم عندها ولا قناعات، سوى الاحتفاظ بالسلطة على حساب كلّ شيءٍ ، وبالرغم من كلّ شيء"، مضيفاً "لن نقبل بأن نكون نحن المسيحيون شهود زور على ما يحصل من ارتكابات بحقّ كلّ ما نؤمن به أصلاً، كما بحق الإنسانيّة باعتبار إنّ دورنا الطليعي يحتّم علينا ،عدم الانزلاق ، الى قمقم التقوقع الأقلّوي، الذي يحاول البعض استدراجنا اليه، من خلال هواجس، ليست محصورةً بالمسيحيين فحسب وأن نكون شهود زور، أو في أحسن الأحوال متفرّجين، منكفئين، متراجعين أمام الربيع العربي ومخاضه، ذلك يعني تفشّي عقدة الأقلويّة في نفوسنا، وتحوّلنا من أقليّة عدديّة صاحبة رسالة أكثريّة إنسانيّة عالميّة، الى أقلويّة نفسيّة هامشيّة ترقد، في ذمّة الجغرافيا وخارج التاريخ". ورأى " إنّ الخوف من التطرف مبرر ومشروعٌ، ولكنّ هذا الخوف لا يبيحُ المحظورات، ولا يفترض انقلاباً جذريّاً، على كلّ القيم الإنسانيّة والمسيحيّة"، لافتا الى ان "التغلّب على التطرّف، لا يكون بتبرير ارتكاب مزيد من الجرائم، على يد ديكتاتوريّات، شكّلت في الأساس، سبباً مباشراً لنشأة التطرّف، معتبرا أن "ما لا نقبله، هو خيانة أنفسنا وكلّ ما نؤمن به، هرباً من نظام متطرّف مزعوم، لا نجد مؤشّراً على قيامه في كلّ ما يجري؛ فالتاريخ لم يعد يوماً الى الوراء، ولن يعود". جعجع توجّه الى مسيحيي الشرق بالقول "إخوتي المسيحيين في لبنان، وسوريا، وفلسطين، والعراق، ومصر ودول المنطقة كلّها لا تخافوا، إذا كان الله معكم فمن عليكم؟ حافظوا على إيمانكم وعقيدتكم والرسالة الإنسانيّة الكبرى، والقيم التي تحملون، بالرغم من كلّ التحديّات، وانخرطوا، في صلب معاناة شعوب المنطقة من دون خوف أو وجل، كونوا دائماً طليعة حركات التحرّر والتقدّم، كما كان أسلافنا منذ أقدم العصور". واستهجن "موقف الحكومة اللبنانية الحاليّة، ممّا يجري في سوريا، والذي لا يعكس، بأيّ حال من الأحوال، صورة لبنان الحريّة، والتحرّر والتقدّم والتطوّر والانفتاح، لا بل يعطي صورةً سوداء قاتمةً كالحة عن لبنان، بعكس حقيقته، كما يتناقض مع تطلّعات وشعور أكثريّة الشعب اللبناني"، مشيراً الى انّ "الحكومة الحالية، بموقفها هذا، تضع لبنان، في تناقضٍ تامٍ، مع هويّته وتراثه وتاريخه، كما تضعه في مواجهةٍ مباشرةٍ، مع المجموعة العربية كما مع المجتمع الدولي، الأمر الذي لم نشهد له مثيلاً منذ قيام دولة لبنان"، مؤكداً أن "فرحتنا بالربيع العربي لن تكتمل إلاّ باكتمال ربيع لبنان وربيع فلسطين"، مضيفا أن "ربيع فلسطين على وشك أن يتفتّح، باعتراف الأمم المتحدة، بالعضوية الكاملة لدولة فلسطين، لا يعتقدنّ أحدٌ بأنّ هذا الاعتراف، هو اعترافٌ صوريّ أو نظريّ، لأنّ ما كُتِب سيكون قد كُتِب، وسيتحوّل عاجلاً أم آجلاً، الى واقعٍ ملموس، تفرح به قلوب الفلسطينيين والعرب أجمعين وستكون الفرحة لنا، نحن اللبنانيين، فرحتين: فرحةٌ بقيام دولة فلسطين، وأخرى، مع فرحة الإخوة الفلسطينيين اللاجئين في لبنان، بخلاصهم من تشرّدهم المزمن، وعودتهم الى فلسطين. ولفت الى انه " لم يعد مقبولاً بعد اليوم، تصنيف اللبنانيين بحسب انتماءاتهم الحزبيّة ، حتّى ضمن المنطقة الواحدة والبلدة الواحدة، هذا مواطنٌ من "حزب الله"، فتُبيح له الأجهزة الأمنية والعسكرية والقضائيّة كلّ المحظورات، ويحقّ له ما لا يحقّ لغيره، حتّى وإن كان خارج نطاق عمليّاته العسكريّة المفترضة على الحدود بعشرات ومئات الكيلومترات، لقد أصبح، بكلّ اسف، مواطن "حزب الله" في لاسا، أو الرويسات، أو الزعيتريّة، أو بيروت أو بعلبك أو الجنوب، بنظر الأجهزة الأمنيّة، مختلفاً عن المواطن العادي في هذه المناطق نفسها، كما في المناطق الأخرى، وكلّه باسم المقاومة"، مشيرا الى ان "المواطن الأول مباحٌ له أن يتجوّل بسلاحه الظاهر، وأن يستعمله كيفما شاء، وأن يخوض اشتباكات مسلّحة، تتطوّر في بعض الأحيان، الى استعمال الأسلحة الثقيلة، أمام أعين الأجهزة التي لا تتدخّل، إلاّ بحدود ما يسمح به "حزب الله"، بينما يُمنع على المواطن اللبناني العادي، أن ينقل بندقيّة صيد، من دون ترخيص، أو حتّى أن يتأخّر في تسديد فاتورة ماء أو كهرباء والمواطن الأول مسموحٌ له، تشييد آلاف الأبنية المخالفة، على الأملاك العامة والخاصة وأملاك الأوقاف، وإذا طُرح تصحيحٌ للأمر، فبالتراضي، وعبر حل يناسب المواطن المخالف وكلّه باسم المقاومة أمّا المواطن العادي، فيلاحَق ويُحال على القضاء، لمجرّد تشييده خيمة قرميد، من دون ترخيص، في ملكه الخاص، أو إنشائه غرفة غير مرخّصة، على أرض يملكها"، مشددا على أننا "لا نطالب بتعميم بعض النماذج الخارجة عن القانون، بل نطالب بتعميم التقيّد بالقانون، على المناطق كلّها، والمواطنين جميعاً". واستطرد "إنّ وجود سلاح "حزب الله"، لم يعد عبئاً على المواطنين العاديين، وتهديداً لهم فحسب، وإنّما تعدّاهم، ليطال مسؤولين رسميين وسياسيين، رضخ بعضهم لابتزاز السلاح وتهويل القوّة، بحيث انتهى الأمر، في مرّة من المرّات، وعلى سبيل المثال لا الحصر، الى قلب حكومة والإتيان بأخرى، وكلّه باسم المقاومة وعوض أن تنجح الدولة اللبنانية ، ولو تدريجياً، في استيعاب سلاح "حزب الله"، بعد أكثر من خمسة أعوام على انطلاق الحوار الوطني بشأنه ، تراها تبحث هي اليوم، عمّن ينتشلها من قضم "حزب الله" واستيعابه لها". جعجع اعتبر ان " المفارقة في لبنان أنّ الدولة قائمة، وقادرة إذا أرادت، وتحظى بغطاء ودعم الشرعيّتين العربيّة والدوليّة، لكنّ فئةً دون سواها من اللبنانيين، تصرّ على أنّ هذه الدولة عاجزةٌ، وتعمل على إبقائها مقصّرةً، وتختلق الحجج، والإشكالات، وتفتعل الضوضاء المستمرة، لتبرّر لنفسها حصريّة امتلاك السلاح الى ما لا نهاية"، مضيفا "أمّا في ما يتعلّق بإشكاليّة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، فالمطلوب من الدولة اللبنانية، أن تُمسك بهذا الملف، بعيداً من " العنتريّات"، لمعالجته بالطرق المعتمدة دوليّاً ، وذلك عن طريق الطلب من الحكومة السوريّة، الاعتراف خطيّاً، بلبنانيّة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وعندها تكون الدولة اللبنانية، ومن خلفها الشعب اللبناني برمّته، هي وحدها المولجة ،تحرير هذه الأراضي بالطرق التي تراها مناسبة". أمّا بالنسبة لموضوع النفط والغاز، فهذه الثروة،هي مُلكٌ للدولة اللبنانية والشعب اللبناني كلّه، وليست حكراً على فئة ، وبالتالي فإنّ الدفاع عنها هو مسؤوليّة الجميع، ممثّلين بالدولة اللبنانية، مضيفا لن نسمح لأحد بأن "يصادر الثروة النفطيّة للشعب اللبناني، تحت ستار "المقاومة" أو تحت أيّ ستار آخر"، مؤكدا أن "كلّ حديث عن " مقاومة"، لتبرير القبض على الثروات، قد ولّى إلى غير رجعة". جعجع وجّه نداء الى "حزب الله" فقال "قد يعتقد البعض منكم، أنّ بقاء سلاح الحزب، هو ما يوفّر الحماية والقوة لكم، لكنّ هذا البعض، فاته، أنّ حمايتنا وقوّتنا جميعاً ،كمواطنين لبنانيين ، لأيّ فئة انتمينا، لا تتأمّن، إلاّ من خلال الدولة اللبنانية من جهة، ومن تفاعلنا، الإنساني والسياسي والاجتماعي مع بعضنا البعض، من جهةٍ ثانية"، لافتا الى ان "بقاء السلاح غير الشرعي في لبنان، لم يعد مبرّراً ، ولا مقبولاً، لا سيّما في ظلّ التحوّلات الكبرى ، وفي ظلّ سقوط المعادلات التي أوجدته، من هنا أدعوكم، لاتخاذ قرارٍ جريء، بالتخلّي عن سلاحكم، أعزّاء شرفاء، للدولة اللبنانية، بعدما أدّى هذا السلاح دوره كاملاً حتّى العام 2000، تعالوا إلى حيّث تجرّأنا، وإلى حيث يجب أن يجرؤ الآخرون".وتطرق الى المحكمة الدولية وقال "لأنّ الظلمة لن تقوى على النور، ولن ينتصر الشرّعلى الخير،آن أوان محكمة لبنان، لافتا الى انه "آن الأوان لإسقاط ورقة التين، عن منطقٍ إلغائي لدى البعض وآن الأوان لتبيان حقيقة هذه المدرسة- المشرحة، القائمة في لبنان ودول شرق أوسطيّة أخرى، على اعتماد لغة الإرهاب والاغتيال"، معتبرا ان "عدالة المحكمة هي عدالةٌ للجميع، لكلّ اللبنانيين، وأكاد أقول لشعوب المنطقة كلّها، إنّها إنهاءٌ لمرحلةٍ وإيذانٌ بأخرى". وأردف " كان من المفترض أن يطوي اتفاق الطائف، صفحة الحرب اللبنانية، وينقل لبنان، من حالة الدمار والقتل والاغتيال، الى حالة المصالحة الوطنية، والأمن والاستقرار"، معتبرا أن "البعض ومنذ اللحظة الأولى لإقرار المحكمة، عكف على وضع العصي في دواليبها، محاولاً بالتشكيك، والتهويل، والصراخ، و اجتراح قرائنٍ من العدم، والتنقيب عن أي هفوة شخصيّة، أو ثغرة تقنيّة، موجودة عادةً، في أيّ مؤسسة أو إدارة أو محكمة، الانقضاض على المحكمة الدولية، ومحاولة اغتيالها، وصولاً الى حدّ الضغط باتجاه منع لبنان ، من تسديد حصّته في تمويلها"، مضيفا "الفاجر لن يأكل مال التاجر بعد اليوم في لبنان"، لافتا الى إنّ "آلة القتل والاغتيال التي استخدمها البعض، أو استعان بها، أو حماها ، لتحقيق مآربه السياسيّة، ستصبح خارج الخدمة قريباً والأفضل للجميع من الآن، البحث، عن آلة أو آليّة مختلفة، تحقق الأهداف السياسيّة بطرق ديمقراطيّة، دستوريّة، ميثاقيّة، قانونيّة،حضاريّة".