+
----
-
يعتقد
بعض الناس أن المرحلة الحالية التي يمر بها شعبنا الفلسطيني، من قيام
السلطة وبناء الجدار الفاصل وتهويد القدس، نتيجة اتفاقيات أوسلو وما بعدها،
وهذا اعتقاد خاطئ مجانب للصواب، فإن ما يجري على أرض الواقع ما هو إلا
تنفيذ لمخططات قديمة ومؤامرات خبيثة تمت دراستها بدقة قبل احتلال سائر
أراضي فلسطين عام 67 ولا أدل على ذلك مما قام به المحتل إبان احتلاله لسائر
أرض فلسطين حيث قام بتقسيم الأرض إلى ثلاثة أقسام رئيسية، القدس الشرقية،
الضفة الغربية، قطاع غزة، وقد طبق على كلا الضفة الغربية وقطاع غزة
القوانين العسكرية من خلال الإدارة المدنية ونشر الجيش النظامي في
المناطق،وهذا ما يعرف في القوانين الدولية ب( احتلال أرض من قبل قوة
خارجية) فكان هذا إقراراً من اليهود على أنهم محتلون لهذه الأرض وهذا ما
حملهم على تطبيق القوانين العسكرية على الضفة الغربية وقطاع غزة، على خلاف
القدس الشرقية، فقد تم تطبيق القانون المدني ومنح أهلها البطاقات
الإسرائيلية واعتبروا كمواطنين إسرائيليين من الدرجة الثالثة شريطة أن
يقيموا داخل حدود بلدية القدس والتي يحدها اليوم الجدار الفاصل ، وحقيقته
أنه فصل ما بين ما يعرف بأرض إسرائيل، والأرض المحتلة من قبل إسرائيل، ولو
دققنا في مسار الجدار حول مدينة القدس لوجدناه حقيقة يفصل ما بين القرى
التي طبق عليها القانون العسكري، والتي طبق عليها القانون المدني، فعلى
سبيل المثال: الرام وبيت حنينا التحتة وعناتا وحزما وأبو ديس والعيزرية
والسواحرة الشرقية تعتبر من قرى محافظة القدس، تماماً كبيت حنينا الجديدة
وشعفاط والبلدة القديمة إلا أننا نجد أهل القرى الأولى تم إعطاؤهم الهوية
الحمراء ومنعوا من دخول القدس إلا من خلال تصاريح خاصة حتى قبل بناء
الجدار، على خلاف أهل القرى الثانية فقد اعتبروا كمواطنين، وقد جاء الجدار
اليوم ليفصل بين هذه القرى، وعليه لم يكن هذا الفصل عشوائياً، كما لم يكن
آتياً من خلال اتفاقيات أوسلو، بل كان مخططاً له قبل الاحتلال، والسؤال
الذي يطرح نفسه هو: إذا كانت إسرائيل لم تعتبر مناطق الضفة الغربية وقطاع
غزة من أرض إسرائيل فلماذا قامت باحتلالها؟ ولماذا تخلى العرب عن المطالبة
بتحرير أراضي فلسطين التي تم احتلالها قبل عام 67 ؟ وما هي حقيقة المشكلة
اليوم؟ والجواب عن هذه الأسئلة معروف لكل متدبر واعٍ ولا ضير من كشف بعض
حقائقه ليكون المسلمون على بصيرة من أمرهم ،إن قيام دولة إسرائيل لم يكن
إلا نتيجة إقرار دولي متفق عليه ولم تكن الدول العربية في منأى عن ذلك
الاتفاق بل أسهمت الدول العربية كغيرها من الدول في قيام دولة إسرائيل، كما
لم تخرج منظمة التحرير الفلسطينية عن هذا الإقرار الذي مع الأسف دخلت فيه
بعض الجماعات الإسلامية، وعليه فقيام دولة إسرائيل ليس مرفوضاً دولياً،وإن
كان مرفوضاً إسلامياً وشعوبياً، في الوقت الذي لم يستطع فيه المجتمع الدولي
تهميش الشعب الفلسطيني من باب والثورات الشعبية وما قد تؤدي إليه من باب
آخر، فكان لا بد من وضع خطة محكمة لحل شامل لقضية فلسطين تكون حلاً وسطاً
لكلا الجانبين العربي والإسرائيلي، فكان تقسيم احتلال فلسطين إلى مرحلتين
الحل الأنسب فهو الكفيل في إرضاء الطرفين وضمان قيام دولة إسرائيل من غير
تهديدات خارجية وداخلية، إذ تقوم دولة إسرائيل بالتنازل عن قطاع غزة والضفة
الغربية مقابل احتفاظها بمناطق ال48 كحق ثابت لها بمباركة جميع الشعوب
وهذا ما تم لها بالفعل إلا أن قضية فلسطين لم تنته بسبب مشكلة لا تزال
عالقة لم يظهر لها حتى اللحظة بوادر انفراج، وهي قضية القدس الشرقية،
فإسرائيل لا تريد التنازل عنها بحال وهذا ما جعلها تعتبرها جزءاً من أرضها
من خلال توحيدها مع القدس الغربية منذ احتلالها، وهذا ما ترفضه الشعوب
جميعها لأن عدم إدراج قضية القدس على جدول المفاوضات سيجعل من حل القضية
الفلسطينية أمراً مستحيلاً، كما أنه يستحيل تجريد إسرائيل من حقها في القدس
الشرقية وكذلك الفلسطينيين ، كما أنه من الاستحالة بمكان أن تخضع القدس
لحكومتين منفصلتين، فكان طرح مسألة تدويل القدس خروجاً من الأزمة المتوقعة،
إلا أن ضعف الموقف العربي، والتأييد الأمريكي المطلق لحكومات إسرائيل كان
سبباً مباشراً في تعنت إسرائيل وإصرارها على الاحتفاظ بالقدس الشرقية كجزء
لا يتجزأ من أرض إسرائيل، ولا أخال أن تنازل إسرائيل عن القدس الشرقية
مندرجاً في أجندتها إذ المشكلة تكمن في ما يتعلق بالقدس القديمة وما يرتبط
بها من معتقدات وجذور تاريخية، وإن كانت دولة إسرائيل على استعداد للتنازل
عن بعض مناطق القدس الشرقية كبيت حنينا شريطة تنازل الفلسطينيين عن البلدة
القديمة والاعتراف المطلق للسيادة الإسرائيلية عليها، مع وضع بعض الترتيبات
المتعلقة بالمسجد الأقصى ليتسنى للفلسطينيين الوصول إليه ضمن الشروط
والمواصفات الإسرائيلية، إلا أن هذا الطرح مرفوض بالكلية بالنسبة للشعب
الفلسطيني، بل لا تمتلك سلطة الجرأة على تحمل مسؤولية التنازل عن القدس
عامة والمسجد الأقصى خاصة، وإن قبل البعض في مسألة تدويل القدس لتكون محطة
لجميع الدينات وفق سيطرة دولية خاصة مشتركة، وهذا مرفوض للإسرائيليين حكومة
وشعباً، فلن تتنازل أي حكومة إسرائيلية عن البلدة القديمة بل ولن تدرجها
على جدول المفاوضات والأسباب معلومة، واتخاذ قرار من هذا النوع يتطلب قوة
رادعة ملجئة غير موجودة ولا أكاد أرى لها وجوداً لما تعانيه الأمة من تفرق
وضياع وصراعات دامية منهجية وغير منهجية، مما يجعل القضية كما يقال: مكانك
راوح، فالقدس كما أشرت هي حقيقة الصراع وعليها يقوم أي حل لفض الخلافات بين
الدولتين، وإن كانت إسرائيل قد خططت لضم القدس إلى حدودها حتى قبل ال67
كما ذكرت واعتبارها جزءاً من عاصمتها الأبدية، على خلاف نظرتها لمناطق
الضفة الغربية وقطاع غزة، إذ هي محتلة حتى بنظر إسرائيل، وعليه لا بد لأي
داع يدعو إلى حل شامل للقضية الفلسطينية أن يأخذ هذا الأمر بعين الاعتبار
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.