الضاغط الحجمي هل يرجع يوماً؟

سيارات
الضاغط الحجمي هل يرجع يوماً؟






عندما نتكلم عن الضاغط الحجمي (Supercharger) ترد إلينا صور السيارات الأميركية الرياضية ذات محرك V8، التي عرفت خلال سبعينيات القرن الماضي بإسم الـMuscle Cars. فنسترجع مشاهد الـDodge Charger والـCamaro وغيرها، وهي مركونة داخل مرآب حيث يتم التلاعب بعمل الضاغط الحجمي ليولد المحرك قوة حصانية أعلى. قوة، تترجم سباقات داخل طرق المدن، أو هربا من الشرطة أو فراراً من عملية سطو على مصرف، يرافقها هدير صوت محرك شكل في حينه رمزا للحرية والثورة والمغامرة. أما اليوم، فلم تعد للضاغط الحجمي المكانة نفسها في صناعة محركات السيارات، خاصة مع استعمال شاحن الهواء (Turbo) كبديل له. فهل نشهد آخر فصول من قصته؟
يعتمد عمل المحرك على اختلاط كميات من الوقود مع الهواء داخل غرفة الإحتراق، حيث يشتعل المزيج بواسطة شرارة تحدثها ما يعرف "بالبوجي". وما يهمنا الآن متعلق بدخول الهواء إلى المحرك. فمعظم المحركات، تعتمد على الضغط الجوي الطبيعي لإدخال الهواء إلى غرفة الإحتراق، ولكن البعض الآخر يستخدم الضاغط الحجمي أو شاحن الهواء لتلك الغاية. فماذا نعني بالضاغط الحجمي و شاحن الهواء، ولماذا نستخدمهما في صناعة المحركات؟ يمكن اعتبارهما بمثابة مضخات هواء تدخله بقوة إلى أسطوانات المحرك عوض الإعتماد على الضعط الجوي للقيام بتلك المهمة. هكذا وبفضل تلك التقنية، يمكن أن تفيد المحركات الصغيرة بكمية هواء، تكون مماثلة لتلك التي تدخل المحركات الكبيرة الحجم ذات السحب العادي (أي التي تعتمد في عملها، حال أغلبية المحركات، على الضغط الجوي) فتحرق كمية وقود أكبر، وبالتالي تولد قوة إضافية وتزيد من عزم الدوران.
غير أن لهذه العملية وجهاً سلبياً يتمثل بخسارة البعض من طاقة المحرك عندما يستخدم الضاغط الحجمي وشاحن الهواء. فعمل هذين الجهازين يستتبع إستهلاكاً للطاقة يتمثل في عمل الضاغط الحجمي عبر جهاز تعليقه الميكانكي، وشاحن الهواء عبر خلق ضغط مضاد لضغط المحرك عند انبعاث الهواء المحترق من غرفة الإحتراق باتجاه العادم (ضغط العادم). فعلى المحرك العمل بعكس هذا الضغط، لذلك يستهلك طاقة إضافية لايكون بحاجة إليها عندما يُشغل على السحب العادي. ولكن على الرغم من استهلاك الجهازين لطاقة إضافية من المحرك، أثبتت التجارب أن شاحن الهواء هو الأقل إستهلاكا لهذه الطاقة، مقارنة مع الضاغط الحجمي، ما يفسر غياب هذا الأخير عن عالم المحركات. أضف إلى ذلك أن شاحن الهواء هو الذي تلازم إسمه مع المحركات الصغيرة، بعكس الضاغط الحجمي الذي ظل إسمه مقرونا بالمحركات الكبيرة التي هي أيضا، خُرقت من شاحن الهواء، فزود بعض الصانعين محركاتهم الكبيرة بشاحني هواء بدل الضاغط الحجمي. إذا منافسة ما بين هذين الجهازين فاز بها حتى الآن شاحن الهواء. فمع تركيز الشركات على تصنيع المحركات الصغيرة هل يدخل الضاغط الحجمي عالم النسيان؟ وهل أن ابدال بعض الطرازات مثل الـMini Cooper S الضاغط الحجمي بشاحن الهواء يشكل الخطوة العملية لترجمة نهاية الأول؟
واقع استدركه، ولو متأخرا، صانعو الضاغط الحجمي وعلى رأسهم شركة Eaton وهي الأضخم في هذا المجال. ففي العام 2010، أطلقت تلك الشركة ضاغطا حجميا جديدا يعمل بتصميم Twin Vortices. هوعبارة عن مشغلين يعملان بطريقة ميكانكية يتشابهان وباستا الـFusilli بالشكل. كل مشغل يحوي أربع شفرات قريبة جدا من بعضها البعض، ولكن من دون أن يحصل احتكاك بينها أثناء التشغيل. وهذا التقارب بين شفراتها أثناء تشغيلهما، هو الذي يساهم في التقليل من استهلاك الوقود بنسبة 10%، مقارنة مع طرازات الضاغط الحجمي السابقة. كما يأتي الضاغط الحجمي بتصميم Twin Vortices أصغر حجما وأخف وزنا من أسلافه وأكثر حماية للمحرك، مقارنة مع منافسه اللدود شاحن الهواء. بمعنى أن عمل شاحن الهواء يعتمد في شكل أساسي على الحرارة التي ينتجها الغاز الخارج من غرفة الإحتراق. فكلما زادت حرارته، تضاعفت كمية الطاقة التي يحويها، ما يؤدي إلى تجاوب أفضل لشاحن الهواء. لكن إذا عمل المحرك على دوران منخفض في شكل بطيء وناعم نشهد إنخفاضا في الطاقة بسبب عدم بلوغ الغاز الحرارة المطلوبة لتشغيل شاحن الهواء بفاعلية، فلا يستجيب هذا الأخير سريعا، قنقع في لحظة فراغ في عمله، أي ما هو معروف بإسم Turbo Lag. أما الضاغط الحجمي الجديد بتصميم Twin Vortices فلا يعتمد على ضغط العادم في عمله، وبالتالي ليس بحاجة إلى طاقة كبيرة تولدها حرارة مرتفعة للغاز نتيجة تشغيل المحرك بضغط مستمر على دوران مرتفع. لا بل يمكن، مع الضاغط الحجمي الجديد، تشغيل المحرك على دوران منخفض ما يخفف من الإحتكاك الداخلي لمكوناته والتخلص من أي فراغ في عمله، الأمر الذي ينعكس إيجابا على طول حياة المحرك والخفض في إستهلاك الوقود. تجاوب سريع يوفره الـTwin Vortices كلما احتجت إليه أثناء قيادتك سيارتك ومهما بلغ عزم دوران المحرك.
إذا، وبفضل تطوير هذا التصميم الجديد للضاغط الحجمي من حيث الشكل والوزن والإقتصاد في استهلاك الوقود والفعالية على درجات دوران المحرك كلها، استطاع هذا الجهاز دخول عالم المحركات الصغيرة لمنافسة شاحن الهواء في صميم عالمه. فنراه مثلا يزوّد محرك VW سعة 1,4 ليتر حيث تسخدم شركة Eaton ضاغطا حجميا بالتزامن مع شاحن هواء، لتكوّن ما يعرف بالـTwin Charger. كما أن Jaguar وLand Rover تستخدمان الجيل السادس من Twin Vortices لتزويد محركهما المؤلف من ثماني أسطوانات على شكل سبعة تبلغ سعتهما 5 ليترات. Audi بدورها، حذت حذوهما وزودت محركها V6 سعة 3 ليترات TFSI Quattro الضاغط الحجمي عينه. أما أحدث السيارات التي زودت الجهاز الجديد من شركة Eaton هي Nissan Micra سعة 1,2 ليتر التي بفضل الضاغط الحجمي توفر الأداء نفسه الذي تتمتع به محركات الـ1,5 ليتر، ولكن مع نسبة التوفير في الوقود الخاصة بمحركات الـ1,2 ليتر.
وهكذا، من المتوقع أن تزوّد طرازات لاحقة ضاغطاً حجمياً هو الذي انتقل من عالم المحركات الكبيرة التي تذوّب الطرق خوفا من تأديتها الصاروخية إلى عالم جديد بالكامل، لم يعرفه من قبل، يتيح للمحركات الصغيرة التمتع بالتأدية نفسها، التي طالما ميزت السيارات ذات المحركات الضخمة، ولكن بهدف إقتصادي وللمحافظة على البيئة أيضا. فعلى عكس ما يظنه البعض، إن الضاغط الحجمي لا يكتب آخر فصوله فحسب، إنما بدأ يؤرخ لحقبة جديدة وتاريخ حديث قي صناعة المحركات، يكون هو محوره بعيدا من عنتريات الماضي.