يقولُ المؤرّخ الشهير "ويل ديورانت" : ما من أمّة تُهزم في كتب تاريخها.
فماذا سيكون حالنا في لبنان ونحن لم نزل أمما متنافرة ومتشبّثة بمعتقداتها لا تقبل فيها جدالا و لا مراجعة و لا حتى اتفاقا؟؟ينتصر كلٌ منا لأبطاله و أمواته،ويُعظّمُهم حتى ولو كانوا سرّاقا ومرتشين...
اليوم يتناوشون على كتاب تاريخ موحّد يحكي عن الفترة الماضية وكأنّ الخلاف محصور هنالك وكأنه لا خلاف بين اللبنانيين حول أصول الوطن و نشأته وشعبه....
وهاهو الشيخ سامي الجميل يطلق النذير وهو محقٌّ من حيث المبدأ، على أن لا يُرجعنا إلى ما أطلقه جدّه الشيخ بيار ذات يوم حول نسب اللبنانيين متجاهلا الحقيقة والتاريخ و الواقع والتي تقول كلّها أن تسع أعشار اللبنانيين هم عربٌ خلّصٌ من اللخَميينَ ومناذرتهم والغساسنة ومناذرتهم ،الذين كانوا قبل الفتح العربي وبعده وممّن تفرّع من اولئك من التنّوخيين وهم من العشائر العشر التي قدمت من معرّة النعمان سنة 821 ميلادية الى المتن واستوطنوه، والمعنيين والشهابيين القرشيين واللمعيين التنّوخيين،والألوف من عائلات طرابلس والضنية وعكار وبشري والهرمل والبقاع و بعلبك وصيدا وصور وجبل عامل،على اختلاف أسمائها وأصولها العربية الخالصة المهاجرة من الجزيرة العربية أو من البلاد الشامية أو المغربية أو المصرية.و قد بدّل بعض أولئك دينهم فاعتنقوا الاسلام أو اعتنقوا المسيحية و لكنّ هذا التبديل في الدين لم يُفقدهم طابعهم العربي أبدا.
أردتُ هذه المقدّمة الموضوعية لا تشبّثا بالعروبة وأنا انسانٌ غدوتُ كلما زادَ الشيبُ في مفرقي أكثر إيمانا بالإنسان في المطلق وأكثر نفورا من التسميات أمام شطط الكثيرين في عنصريّاتهم العرقية والدينية و القبلية و حتى "الضيعجية" من ضيعة..غير أنّي أعشق الانحياز للحقّ ما استطعت و للحقيقة ما قدرت عليها.
وإن كان هنالك من شكوك لدى بعض اللبنانيين وهذا حقّهم فما لنا إلا الرجوع إلى القاعدة القائلة :إنّ الناس مؤتمنون على أنسابهم.
و لا أرى بأسا لنقطع الجدل باليقين في إجراء إحصاء نفسح فيه المجال لكلّ مواطن لبناني أن يذكر في بطاقته أصله الذي ينتسب اليه: أهو فينيقيّ أم تركيّ أم يونانيٌّ أم سلافيٌّ أم جرمانيٌ أم عربيٌ...وبهذا تظهر الأكثرية الساحقة إن كانت عربية أو غير عربية وهكذا نكون على الأقل ابتدأنا بداية صحيحة لا لبس فيها و لا تحريف وبنوايا صافية بفعل الواقع و الحقيقة.
إلى أين من هنا؟ الى كتاب تاريخ نفوّض أمره للعلماء لا للسياسيين نذكر فيه مآسي كل منّا و مآثره لنتّعظ من الأولى ونعتبر من الثانية. وليسكت كلّ اللبنانيين، فكلنا في بيوت من زجاج ، من أصغر حزب إلى أسمن شخصية فينا، وابتداء من حزب النجّادة والكتائب وصولا إلى حزب الله والقوات اللبنانية ومن كان منهم بلا خطيئة وخطايا فليرجم أخاه بحجر....
وأخير،أرجو أن لا تفعلوا كما يقول ديورانت لسبب بسيط وواحد: فليس أكثر تاريخنا انهزامات فحسب بل نحن لم نزل حتى اليوم في لبنان أمما مهزومة تتناهش فيما بينها...تصايحا أجوفا وخذلانا مبينا،ونراشق بعضنا بالحجارة وغير الحجارة ،يدّعي كلٌ منّا الطهارة والحقّ بل يصادرهما ،وليس ذلك بغريب على اللبنانيين... أما صادروا الله من زمن،كلّ فريق يحتبسُهُ في حسابه؟؟؟