الروسيات يرسّخن علاقة تاريخية بين موسكو ودمشق
بين روسيا وسوريا أكثر من مصالح استراتيجية،
بينهما مصاهرة تاريخية. رابط دم يكرّسه وجود حوالي 20 ألف سيدة روسية،
متزوجات من سوريين ويعشن في سوريا، وهو أحد العوامل التي تمنع موسكو من
القبول بموقف مؤيد للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، بحسب صحيفة «نيويورك
تايمز».
في الواقع، تعود جذور تواجد الروس في سوريا إلى العام 1963. في ذلك
الوقت، كان «حزب البعث» قد وصل إلى السلطة بالتزامن مع تقديم الاتحاد
السوفياتي لعدد كبير من المنح الدراسية الرفيعة المستوى إلى طلبة من الدول
الحليفة له، ساعياً إلى تأمين اختلاطهم ببعضهم البعض ضمن هدف استراتيجي هو
بناء شبكة عالمية من المؤيدين له. وهكذا، والكلام للصحيفة، كانت النتائج
الأولى لتلك الإستراتيجية تتويج العلاقات بالزواج، فهاجرت روسيات شابات إلى
بلدان مثل سوريا برفقة أزواجهن الأطباء أو المهندسين.
هؤلاء الروسيات هنّ في الأغلب من «نساء النخبة، اللواتي تتمتعن بنفوذ،
لكنه من النفوذ الناعم»، بحسب نينا سيرييفا التي تعيش مع زوجها في مدينة
اللاذقية السورية، كما وصفت سيرييفا أزواج الروسيات في سوريا بأن لديهم
«مشاعر قوية تجاه روسيا».
واليوم، في وقت تحتدم الأزمة السورية، تقدر الحكومة الروسية عدد
المواطنين الروس في سوريا بحوالي ثلاثين ألف شخص معظمهم من النساء
والأطفال. وتذكر الصحيفة أن موسكو واجهت هذه المعضلة في السابق، مع انهيار
الاتحاد السوفياتي، حيث تقطعت السبل بالروس في الدول الحليفة.. لكن لم
يكونوا يوماً بهذا العدد، ولم يحصل ذلك في عهد وسائل التواصل الاجتماعي،
حيث قد تشكل محنة مواطنين روس مصدر إحراج جاد لموسكو.
وإذا ما عدنا إلى التهجير من فلسطين ولبنان في السنوات الأخيرة، نرى أن
مشاكل عدة نشأت على الرغم من أن العدد لم يكن سوى بالمئات، بحسب المحللة
الروسية ييلينا سوبونيا التي حذرت من أن «إجلاء الروس من سوريا سيكون أسوأ
بمئات المرات».
وعزت «نيويورك تايمز» كثرة هذا النوع من الزواج بالأجنبيات إلى ما هو
أكثر من الجغرافيا السياسية، فالأساس كان تأثر كثير من الشباب السوريين
بالتجربة التي اختبروها في الاتحاد السوفياتي، أما السبب الآخر فكان ارتفاع
تكاليف الزواج التي تفرضها العادات العربية على عكس الأعراف الأوروبية.
أما المرأة الروسية في ظلّ الاتحاد السوفياتي فرغبت بالزواج من السوري
لأسباب تتعلق بحصولها على بعض الامتيازات مثل حرية السفر، أما بعد سقوط
الاتحاد فقد كان الخروج من الوضع الاقتصادي الصعب هو أحد العوامل.
وكان أحد الدبلوماسيين الروس في دمشق صرّح بأن هناك تسعة آلاف مواطن
روسي مسجل لدى السفارة، ولكنه يرجّح أن يكون العدد حوالي ثلاثين ألفاً، في
وقت استبعد وجود خطط أو أسباب «تجعلنا نقوم بترحيل المواطنين الروس، إلا
أنه أكّد بأنه عندما تحين الساعة، سوف ترسل حافلات إلى المدن السورية كافة
لنقل المواطنين الروس إلى مكان آمن».
وتشير الصحيفة إلى أن هذه العملية ستكون صعبة للغاية، لا سيما أن بعد كل
هذا الوقت، أي حوالي نصف قرن، أصبح الخط الفاصل بين من هو روسي ومن هو غير
روسي صعب التحديد، إن كان يوجد أصلاً. وتنقل في النهاية عن السيدة زيتيفا،
62 عاماً، تأكيدها أنها لن تبرح مكانها، فـ«قد أصبحنا جزءاً من المكان.
أطفالنا هنا وهم سوريون، وكذلك أحفادنا. كل شيء هنا هو لنا».